رغم تكميمه للكثير من الأفواه، ومنعه العديد من الكائنات من التحرك بحرية، وجعله عيون الناس تتلاقى في صمت مربك ومنعه ألسنتهم من البدء في أحاديث عفوية دون التدقيق في ملامح من أمامهم، للحد الذي جعلهم يلقبونه ب”الكمامة”!، كان القناع الطبي بطل العام (والعالم) بفارق كبير عن أقرب منافسيه.
كان ذات العام شاهدًا على بطولة العديدين غيره؛ تقنيات التعلم والعمل عن بعد-كأن البعد ما كان ينقصنا-، وشركات الاتصالات متعددة الإمكانيات والاستخدامات، الصاعدة بقوة، والشاهدة على أهمية التعلم والتطوير المستمر، والمؤكدة على الآية الكريمة: “وأن ليس للإنسان إلا ما سعى”، و أن “الحظ ليس إلا فرصة قابلها الاستعداد”.
“Luck is what happens when preparation meets opportunity “
في عامٍ ربح فيه الكثيرون من تغيرات الكورونا العجيبة، وادعى بعضهم العبقرية في تحقيق ذلك، أزعم أن وضع إنجازات العام في إطار الاستعداد والاجتهاد في استشراف المستقبل، دون ادعاء التوقع والجزم بمآلات الأمور من قبل وقوع الواقعة، هو الأصح تفسيرًا لما جرى. ليس فقط لاتساع احتمالاته، بل أيضًا لإعطائه أملًا لكل مجتهد أن في سعيه قيمة حاضرة، وإن لم يدركها الآن وهنا!
كانت بدايات الكوفيد-١٩ غير مفهومة، ولا تبدو نهايته- إن كان له نهاية- مقطوعٌ بها. وكما اتسم الحدث المحرّك للعام بالغموض، وكان التعامل معه- على مستوى الأفراد على الأقل- متصفًا بالترقب والتخبط اللانهائيين، امتد ذلك التخبط ليُنسي بعضنا ما فعلنا في خِضم الارتباك المسيطر على الأجواء.
بنظرة للوراء، فاجأني بعض ما فعلت خلال العام- وإن لم أرضَ تمامًا بسبب تقصيري في الكثير من الأمور-.لكن استدعائي لما حُقِّقَ خلال العام وظروفه أظهر لي نقاطًا مضيئة تستحق التوقف.
إنجاز في العمل، بعض التعلّم، محاولة الرجوع للقراءة، والالتزام بالكتابة، المحافظة على المشي، وإن قلّت فرص الحركة والأنشطة البدنية منذ بداية حظر التجوّل، وغير ذلك مما يحتال به المرء على نفسه ليضيفه لخزانة بطولاته!
يبدو التوثيق مهمًا لتقدير مثل تلك الإنجازات؛ لنضمه لدروس العام إذًا! وثّق ما استطعت لتوثيقه سبيلًا.
كدت أستثني من نصيحتي تسجيل اللحظات الصعبة والمؤلمة، لكنها بطبيعة الحال جزء من المسار المتعرج الذي ننسى أهميته في أحيانٍ كثيرة. جلّ مما ننسى يكون أجدر بالتذّكر والتوثيق مما سواه.
نكابد كثيرًا لعيش حياة عادية بمقاييس السابقين. وبقدر ما هو صعب تحقيق ذلك، بقدر ما يستحق النظر والتقدير، بل والتوقير أحيانًا!
خالص ما يرجوه المرء أن تكون وجهته صحيحة، مهما تعرجت مساعيه واضطربت رؤيته، وأن يدرك ما أخطأ فيما مضى، ويتجنبه فيما هو آت. إذ ليس عادلًا أن نقيّم ما نفعل بمآلاته فقط دون النظر لمقدماته، ولا أن نفعل أيًا من ذلك دون احتساب عثرات الطريق ونتوءاته!
#ميم_نون
#memenoon