الاقتناء المُثقِل

Reading Time: 2 minutes

مهما تراءت لنا العدالة في ما نشهد، ومهما تأكد يقيننا بتحققها، طال الأمد أم قصر ، لا تتوان الحياة عن صفعنا لإثبات العكس.

لا يبدو غياب العدالة مهمًا، إلا لمن عوّل عليها لاستمرار ضربه في الأرض واستكمال سعيه ودأبه، وما بني آدم إلا نفر عظيم ممن يستبطن الظن بحضورها في بذرة يغرسها، أو حرفٍ يخطه، أو آلة يشغّلها، أو درب حقٍ يسلكه قولًا أو فعلًا، لنفسه كان أو لغيره. ولا يبدو، كذلك، أن غيابها مستغربًا في عالم استلذ ظلمات الظلم واستعذبها.

يسع المرء أن يسخط لكل ذلك، وأن يقرر مقاومته أو التعايش معه تبعًا لقدراته واختياراته. لكنه كذلك، لا يسعه سوى الموت إن قرر الاستسلام لما يحدث.

مقاومة الصعوبات ليست سوى سعي حثيث للاستمرار في الحياة بكرامة. وهؤلاء الذين لا يستسيغون السير بهامات مطأطأة، لا بديل لهم سوى المضي قدمًا بالطريقة الوحيدة التي يقبلونها.

قاومت مرارًا وفكرت في الموت تكرارًا، وبين كل مرّة وكرّة وفرّة، لم يثبّتني سوى ارتباط متوهم يدنيني من الدنيا عمّا سواها؛ أقول الدنيا لا الأرض، لغرض في نفسي أتوقع أن تتفهمه وحدك.

يربطنا بالأرض بشرٌ وحجر. ظللت لسنوات حبيس ارتباطي بمن أهتم لأمرهم من البشر، حتى رأيت ما لا أستطيع معه صبرًا. ظننت لوهلة أني أصبحت حرًا عندما فقدت ارتباطي بهم. لكني لم أدرك أن بعضًا من “الأشياء” قد يكون مهمًا بقدر بعضٍ من “الأشخاص”.

رأيت ذلك في كتاب أحببت مصاحبته في رحلة، وصَدَفة التقطتها من شاطيء بعيد لتذكرني بلحظات لا تتكرر بسهولة، وفي كشّاف قراءة لم يغادر حقيبتي إلا بعد كسره، وفي “فلاش ميموري” رافقت أصابعي لشهور طويلة. نماذج “الأشياء” المميزة لا تنتهي، وبقدر ما يبدو أنها ليست أوثق من الارتباط بالبشر بأي حال، لكنه التكديس ما يفسد هذه المعادلة ويحيل النذر اليسير إلى مُكدَّسٍ مقدَّس!

قد يُقارَن التخلّي عن كتاب، على سبيل المثال-وببعض المبالغة-، بالتخلّي عن شخص عزيز. الأعزاء ليسوا أعزاء للأبد، وكما أنت مستعد للتخلي عن شخص عزيز في لحظة ما، فإنك مستعد للتخلي عن كتاب عزيز كذلك.

لكن ماذا تفعل إن عُرّضت للتخلي عن مكتبتك بالكامل؟ وللأبد؟ وبلا فرصة للرجوع إليها؟ ألا يوازي هذا فقد عزيز أو أعزاء؟ هذا تحديدًا ما أعنيه، وهذا تحديدًا ما يفعله بنا الاقتناء والتكديس، يكبّلنا بالمزيد من الروابط التي تثقلنا كلما ظننا الخفة.

لبعضٍ مما سبق تبرز قيمة الهدايا والتذكارات الشخصية التي تعيدك للحظة اقتنائها، فيصعب عليك تركها طوعًا، أو المضي دونها كرهًا.

قد تستغرب ابتدائي بمدى عدالة الحياة وانتهائي بما يثقل المرء على الأرض من أشياء. لكن استغرابك قد لا يطول إن ظننت في محدثك شعورًا بالسخط، تبعه رغبة في الرحيل، ولم يمنعه سوى خيط رفيع من مثل ما حدثك عنه.

Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *