قد يتورط الروائي في علاقات من الحب والكراهية مع أبطاله، بقدر براعته يستطيع أن يعقد تلك العلاقات و يخفيها، ويظل حلمه أن يورط القاريء في تلك العلاقات.
يصرخ الروائي – بلسان أبطاله – في وجه الأكاديمي: ” أنا هنا، و إن أغفلتني تعريفاتك وإحصائياتك، لا يمكنك أن تتجاهل وجودي لأن أوراقك الموضوعية تعجز عن احتوائي!”. فالحقيقة أن الروائي يعبر عن مشكلات لا تستطيع المناهج العلمية التعبير عنها، فهو يقفز على كل التقاليد العلمية ليورط القارئ في تفاصيل رسالته، وهنا تكمن عبقرية الأدب وأهميته وخطورته.
ثم يعود الناقد الأكاديمي ليقولب تقنيات الروائي في مصطلحات، و يضع لهذه المصطلحات تعريفات، و يعيد الرواية خلف قضبان الصرامة الأكاديمية.
لكن سارة أقحمتنا معها في التفاصيل الشخصية لعوالم رضوى عاشور دفعة واحدة، إذا كانت ” الفلسفة هي الكلام عن البرتقالة بدلا من إلتهامها *” فإن سارة أخذتنا معها إلى حقول البرتقال، نستنشق رائحة البرتقال و نتذوق حلاوته.
في قالب من الحكي الخاص تكلمنا سارة عن مريمة (إحدى شخصيات رواية ثلاثية غرناطة لرضوى عاشور) أو رقية (رواية الطنطورية) أو سعد و أمه آمنه (رواية سراج) أو عن رضوى نفسها، ما إن تتورط مشاعرك في عالم رضوى حتى تجد نفسك في عالم سارة نفسها، التي تماهت في عالم رضوى وحلت فيه.
النص والكاتب والقارئ، هم اللاعبون الأساسيون على خشبة المسرح، تسعى هذه النظرية أو تلك إلى أن تنحي أحد اللاعبين إلى منطقة الظل، وتسلط الضوء على لاعب آخر، لكن “صندوق مريمة” لا يخضع لأي نظرية، لأن هذا النص ذاتي، أكثر ذاتية من المذكرات. هل جلست في جلسة حكي نسائية؟ حين تسحبك كل حكاءة إلى تفاصيل عالمها حتى تندمج فيه، و تنسى موقعك من الإعراب؟ في الحقيقة لا يمكننا هنا فصل الكاتب عن النص، ستجد أن كلمات محمود درويش التي اقتبستها وعالم رضوى عاشور وتجارب سارة الحياتية التي إنفعلت معها شئ واحد، ستجد أن سعد الذي تحمس لثورة عرابي ثم إختفى هو نفسه كل مغدور في الثورة المصرية، و ستجد أن أمه آمنة التي ظلت تبحث عنه موجودة حولك.
لكن النص لم يكتمل بعد، لا بد أن تحل فيه ذات القارئ أيضًا، هنا فقط تكتمل أركان النص، إن “صندوق مريمة” نص ذاتي، له بطل واحد، هو مريمة/رقية/سعد/آمنة/رضوى/سارة/القاريء، حتى يود القاريء أن يحل اسمه محل اسم سارة على النص، فقد يكون في لحظة ما أثقل من سارة.
(*) أحمد خالد توفيق على لسان أحد أبطاله.
بقلم: محمود الشباسي